إعجاز القرآن الكريم
الحقائق عندما تعيش في وجدان المسلم ويتربى عليها يكون انقياده لشريعة الله المنزلة في كتاب الله انقيادا تاما مستوليا على كل شخصيته ويعد نفسه متعبدا إلى الله تعالى خالقه بكل تكليف وكل أمر وكل نهي يرد في القرآن أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يقف منه الموقف المذعن للأمر بالائتمار وللنهي بالانتهاء.
وهكذا إذا صحت العقيدة كان الأخذ بالتشريع القرآني على مستوى صحة العقيدة فتصبح كل عبادة مفروضة من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها من ضروب العبادة مظهرا من مظاهر الصلاح الذي ينعكس أثره على المجتمع في مجموعه والدولة في نظامها.
والصوم ضبط للنفس وشحذ لعزائمها وحبس للشهوة وتقوية للإرادة وهو مظهر اجتماعي يجمع المسلمين شهرا كاملا على نظام واحد في الطعام والشراب فتقوى الأواصر وتتوحد الهمم والمشاعر.
ومن تربية القرآن للفرد ينتقل إلى بناء الأسرة على دعائم صالحة من الود والرحمة كما قال تعالى ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون الروم 21.
ثم يأتي نظام الحكم الذي يقوم في المجتمع المسلم فهو كما أراده الله تعالى وبينه في القرآن نظام يقوم على الشورى الملزمة فلا استبداد برأي ولا تعطيل لقوى المجتمع الحية في تنمية المجتمع وترقيته قال تعالى وأمرهم شورى بينهم الشورى 38.
وكما قال تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا النساء 58.
والتشريع الإسلامي جاء تشريعا قائما على أصول صالحة عامة فهو تشريع مرن يصلح لحاجة الجماعة البشرية في كل عصر وهو تشريع متوازن متكامل يجمع بين حاجات الروح ومطالب البدن.
ولقد جاء القرآن بأصول التشريعات المختلفة من تشريعات اجتماعية واقتصادية وسياسية ودستورية ودولية وجنائية في أسلوب سهل بديع يهيئ الملكة العلمية للاجتهاد والتطوير المنضبط بالثوابت والقطعيات وبما يتلاءم مع ظروف العصر وحاجات كل جماعة من الجماعات البشرية.
ومن سمات التشريع القرآني المعجز
أولا الربانية
أول ما تمتاز به شريعة القرآن عن قوانين البشر جميعا أنها شريعة ربانية المصدر ربانية الوجهة.
فربانية المصدر تتمثل في أنها ليست من وضع البشر الذين يستولي على عملهم دائما النقص والقصور والعجز عن بلوغ الكمال فضلا عن مؤثرات الزمان والمكان والحال والهوى والعاطفة.
وربانية الوجهة تتمثل في أن هدف الشريعة القرآنية الأول هو ربط الناس بربهم حتى يعرفوه ويوحدوه ويتقوه حق تقواه ويعبدوه حق عبادته.
وليس هذا خاصا بالعبادات الفردية فقط وإنما يشمل سائر أحكام الشريعة في مجالاتها المختلفة الاجتماعية والمدنية والدستورية والدولية والجنائية وغيرها.
ثانيا العالمية أو الإنسانية
حيث إن شريعة الإسلام ليست شريعة قوم مخصوصين فهي ليست شريعة للعرب دون غيرهم وليست لشعب من الشعوب دون باقي الشعوب الأخرى بل هي شريعة عالمية إنسانية نزلت لتطبق في كل زمان ومكان